بلغت أنباء الغارة التى شنتها قبيلةُ طيئ ملكَ عبس "زهير بن جذيمة" وهو في طريقه إلى بلادهم لغزوها، فأسرع عائداً، ولكنه لم يَلْقَ أحداً منهم، فظن أنهم خدعوه أيضاً في طريق العودة فلما بلغ أرض الشربةِ والعلم السعدى وجد الحلَّة تستقبله بالبشرى، وفي مقدمتهم شداد، وإلى يمينه ابنه عنترة، حيث قال له : " لئن كانت لنا بقيةٌ، فالفضلُ لعنترةَ بن شداد، فكان ذلك اعترافاً صريحاً منه ببنوة عنترة، فأعجب الحاضرون ومدوا أيديهم يصافحونه ويعترفون بفضله، ومرت أيام عبس أعياداً متصلة، كان عنترة فيها موضعَ الاحتفال، ولم يستطع (مالكٌ) ولا ابنه (عمرو) أن يتعرضا له إذا تحدث عن عبلة، ولا أن يُظهِرَ (عمارةُ) غضبا إذا رأى عبلة تجالس ابنَ عمها، وذات ليلة سار عنتَرةُ مشيعا عبلة إلى بيتها، فسألها عن خطبتها لعمارة وهل هى راضية بذلك فقالت : وما شأنى بزيادٍ أو ابن زياد؟ فهل أنا إلا فتاةٌ فى بيت أبيها؟ فرد قائلاً : إذن تذهبين إلى بيته لو رضى أبوك؟ أتذهبين إلى بيته كما تذهب الأَمَةُ إلى سيدها؟ فقالت: كُفّ لسانك، لستُ أَمةً، إنما الأَمَةُ غيرِى، فرد عليها محتداً: نعم الأَمَةُ غيرُك إنها زبيبة، فردت عليه : قل ما بدا لك فلن أجيبَ، فقال لها : الآن برحَ الخفاءُ، إذن فهو زوجُك ابن زياد الذى ترتضينه، ويرضاه أبوك، وأنا ابنُ زبيبةَ الأمة ولن يذهب هذا العار عنى، أَلاَ فاعلمى يا عبلةُ أنَّ ابنَ زيادٍ لن يقتربَ منكِ، فأنتِ لى أنا، أنا الذى أحببتُكِ ولن أحيا بدونكِ، وسوف أبعثُ إليكِ ليلةَ زفافكِ برأسِ هذا الفتى الوسيم هديةً، ولَمَّا اقتربا من بيت مالك، اعترض طريقها مادَّا إليها يده، كأنما يتذلل إليها بعد ما بكت محاوِلاً الإعتذارَ لها ، فمضت إلى خِبائها، ومضى متجها إلى الصحراء.